الاثنين، 7 يناير 2013

0 مشعل التمو مشاكس لم تفارق وجهه الابتسامة


| زين الشامي |

التقيته للمرة الأولى العام 2004 في مدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية، في أعقاب مجزرة شهدتها المدينة في 12 مارس من ذلك العام، إثر مباراة كرة قدم بين فريق المدينة نفسها وفريق المحافظة المجاورة دير الزور. وقتها اندلعت مواجهات عنيفة بين الأكراد وبعض العشائر العربية سرعان ما تدخلت فيها قوات الأمن، وكانت الحصيلة عشرات القتلى والجرحى ونحو مئات المعتقلين الاكراد الذين تعرضوا للتعذيب الوحشي في الأقبية المظلمة لأجهزة الأمن السوري.
كنت مراسلا لاحدى الصحف العربية، وكنت بصحبة وفد من المعارضة السورية ضم على ما أذكر المحامي هيثم المالح والناشط فايز سارة والكاتب ياسين حاج صالح والناشطة الحقوقية رزان زيتونة والناشط معاذ حمور والكاتب علي العبد الله، وآخرين لم أعد اذكر اسماءهم. كانت الغاية هي مواساة الاشقاء
الاكراد بعد تلك المجزرة وتنفيس الاحتقان بينهم وبين العرب، حيث رأى وفد المعارضين ان المستفيد الاكبر من هذا الاحتقان هو النظام السوري. واستوعب الوجهاء الاكراد ورؤساء بعض الاحزاب الكردية ذلك وكذلك رؤساء العشائر العربية.
الوجه المميز من الناشطين الاكراد حينها كان مشعل تمو، الذي قتلته السلطات السورية في القامشلي اخيرا. كان مشعل شابا وسيما يضج بالحيوية، الابتسامة لا تفارق وجهه رغم ان مواقفه السياسية من النظام البعثي الامني كانت واضحة ولا لبس فيها، وكان يدرك خطورة ان يلعب النظام على ذلك الاحتقان ويصور طبيعة المشاكل في منطقة الجزيرة وما حصل فيها اثر مبارة كرة القدم، على انه «اخلال بالامن وشغب ملاعب» و«نزاع كردي عربي»، فيما هو غير ذلك تماما حيث كان الاكراد عموما سعداء بسقوط نظام الطاغية صدام حسين في العراق، فيما عرب محافظة الحسكة ومنطقة الجزيرة السورية يكنون مشاعر مختلفة، ومواقفهم اقرب للنظام في دمشق الذي شعر بخشية في اعقاب سقوط النظام البعثي في العراق.
في تلك الزيارة التقيت مشعل تمو وحيدا في احد مطاعم القامشلي، ثم انضمت الينا مراسلة وكالة «رويترز». حدثنا ذلك الشاب المعارض المشاكس والمثقف الوسيم عن تاريخ المدينة، فأخبرنا متحسرا انها كانت مدينة اوروبية الطراز في السبعينات، حيث كان فيها نحو عشر دور سينما وخشبات مسرح، و«كانت فتياتها يرتدين آخر صرعات الموضة الآتية من باريس» قبل ان تتحول مع نظام حزب البعث في الثمانينات الى «قرية قاحلة، من دون اي دار سينما او خشبة مسرح».
كان مشعل يصف ما وصلت اليه مدينته بحسرة وقلب شاعر. في ما بعد تعددت لقاءاتنا خصوصاً في دمشق حين كان يزورها. كنا نفضل مقهى معزولا قرب فندق الشام بعيدا عن الأعين لأن كل المقاهي المعروفة في العاصمة كانت مزروعة بعناصر الأمن.
ما زلت اذكر وجهه جيدا حين يتحدث عن الاوضاع السياسية في سورية. كان يختلف عن بقية اعضاء الاحزاب الكردية الاخرى لوضوح رؤيته السياسية لمستقبل الاكراد في سورية كجزء من المجتمع وأحد مكوناته الاساسية التي يجب ان تنخرط بقوة في الحراك من اجل الديموقراطية. سألته مرة متقصدا عن موقفه من «المسألة الكردية» وكيف ينظر لمقولات بعض الاكراد القومية الانفصالية، ضحك طويلا وقال: «انظر... الاكراد والفلسطينيون هما الشعبان الوحيدان على الخارطة اللذان لم ينالا حقوقهما القومية وليس لديهما دولة، لكن مسألة الاكراد بشكل عام معقدة كونهم موزعين على دول عدة. ارى ان على الاكراد في سورية النضال سوية مع أشقائهم العرب للوصول الى نظام ديموقرطي يعترف ويصون حقوق الجميع والاقليات ومنهم الاكراد، ونحن كتيار المستقبل ليست لنا طموحات اكثر من سورية ديموقراطية لكل ابنائها». كان يتحدث بشكل قاطع وحاسم مع ابتسامة لا تفارق وجهه.
قبل ان اغادر واترك سورية، احتسيت آخر فنجان قهوة مع مشعل تمو. بعد نحو عام من ذلك اعتقلته اجهزة الأمن السورية مع العشرات من الناشطين السوريين ليبقى في السجن نحو ثلاث سنوات ونصف، ثم لتطلق سراحه منذ ثلاثة أشهر فقط، ثم ليقتل قبل أيام على اثر مواقفه المؤيدة للحراك الشعبي في سورية. بل ان مشعل تمو شمر عن ساعديه وانخرط في التظاهرات منذ الايام الاولى لخروجه من السجن. مرة سألته حبيبته ورفيقة عمره ان يهدأ قليلا خوفا عليه وعلى حبهما فأجابها: «يجب ان يسقط
النظام حتى نصون حبنا ويزدهر».
وفي كلمة له خلال قيادته احدى التظاهرات قال مخاطبا المتظاهرين: «ابصقوا في وجه جلاديكم... فالمستقبل لنا».
لم يكن غريبا ان يغتال النظام السوري مشعل تمو في اليوم نفسه الذي تعرض فيه الناشط المعارض رياض سيف الى اعتداء من قبل الشبيحة في دمشق، كلاهما عضو في المجلس الوطني الذي اعلن عن تشكيله في اسطنبول ونادى بإسقاط النظام.
ليس غريبا على هذا النظام ان يقتل مشعل تمو، فهذه هي طريقة تعامله مع معارضيه السياسيين اينما كانوا ومهما كانوا، في سورية او لبنان او خارج البلدين، وفي لبنان وسورية وحدهما عشرات الأمثلة التي يعرفها الجميع لقيادات وشخصيات مهمة جرت تصفيتها.
وقبل ان ينجح النظام باغتياله كانت هناك محاولات اغتيال سابقة للشهيد مشعل تمو، وقد علمنا أنه كان يعيش متخفياً عن أعين أجهزة النظام طوال المدة الأخيرة خوفاً على حياته.
رحم الله الصديق والمعارض الكردي مشعل تمو وكل شهداء الحرية في سورية والعالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق