0 الشهيد مشعل تمو


الشهيد مشعل تمو

منذ بزوغ فجر الخليقة والحرية هي طموح إنساني رفيع، نزلت به كل الكتب السماوية وحددت ملامحه الشريعة الإسلامية ...فالحرية ليست كلاماً نستقيه من أقاويل الفلاسفة وليست أكبر من طاقات البشر، لا بل بها تتحقق آدميتنا ومن خلالها نثبت وجودنا ...لكن الصراع القائم بين الخير والشر في الحياة الدنيا يحارب الفطرة التي أودعها الله بنا، والتحرر من جميع أشكال القهر واستعادة كرامة الإنسان يدخلنا في رياض الحرية التي وهبها الله لنا....غير أن الحكام الغير شرعين الذين جعلوا أنفسهم أوصياء على الشعوب وضعوها ضمن أطرونثروا بذورها في أرض الأحزاب النتنة ورووها من قوانينهم المشوهة للإنسانية؛ يتعمد الطاغية فعل ذلك من أجل خنق حرية الفرد؛ لأن أي فرد يمتلك كرامة وشرفا ويتحلى بالرفعة والسمو ولديه شخصية مستقلة، يعتبره الطاغية عدوه الأكبر ويحاربه ويمنع عنه وسائل التعبير الحر، ويقمع كل من نذر نفسه لتنوير النفوس ....
والشعب الكوردي عانى الكثير من التهميش والتحقير والحرمان، حيث قام (حزب البعث العربي الإشتراكي) بفرض الأحكام التعسفية عليهم فسلبوا منهم أبسط حقوقهم القومية والإنسانية؛ لكننا اليوم قد لفظنا الطغيان بثورتنا، فالشعب السوري بكل أطيافه ومكنوناته ثار من أجل انتزاع الحرية والكرامة من النظام الذي أهاننا وأهدر إنسانيتنا واعتاد على القتل والتدمير والفتك وانتهاك الحرمات.
وفي ظل الثورة السورية صدحت حناجر الأحرار الأكراد (آزادي) التي تعني الحريـــة باللغة الكردية .....وقد برزت منهم شخصيات كوردية وطنية ساهمت في
معارك الاستقلال الوطني وبناء سوريا في مختلف المراحل ... ومن أحرارهم شخصية لا تنسى نقش اسمها على صفحات قلوبنا هو المناضل
مشعل تمو
(مشعل تمو) الذي نال ما ناله من المجرم الطاغية، وتعرض لمضايقات النظام كثيرا ...
ولد في الدرباسية (محافظة الحسكة ) عام ١٩٥٨....
متزوج وله ستة أولاد، يقيم في مدينة القامشلي، درس الهندسة، يعتبر من أنشط القيادات
الكوردية في سوريا ..
هو شخصية محببة ولها احترامها من الجميع، له نشاط سياسي حيث عمل بين قيادات حزب الاتحاد الشعبي الكوردي في سوريا لأكثر من عشرين عاما ، وفي نهاية عام ١٩٩٩ أسس مع بعض النشطاء السورين أمثال (علي العبدالله ، ميشيل كيلو) لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا ...
أسس منتدى جلادات بدرخان في مدينة القامشلي والذي ناقش فيه مواضيع تهم الشأن الكوردي على وجه الخصوص والسوري بشكل عام ....
لكن تم اغلاق المنتدى على خلفية مشاكل أمنية، هذا مع بداية استلام الطاغية بشار الأسد للحكم ...
مشعل تمو 1
في ٢٠\أيار \٢٠٠٥ أسس التمو مع مجموعة كوردية شبابية تيار المستقبل الكوردي في سوريا والذي طرح نفسه بقوة بعد أحداث الثاني عشر من آذار الدامية في مدينة القامشلي ..
وبما أننا في وطن يحكمه طاغية يبسط سيطرته على مقاليد البلد، ويتذمر من أي حر يشعر أنه سيزاحمه على الكرسي التي يتعمشق بها ... لذلك يقوم الحاكم بإلصاق التهم الباطلة بحق أبناء الوطن ويسفك دماءهم و يحتقر كل القوانين الإنسانية مقابل ان يبقى متربعا على عرش الملك الدنيوي الزائف ...

وهنا بدأت رحلة مشعل تمو في فروع الأمن ..
ففي فجر يوم الجمعة ١٥\آب \٢٠٠٨ تم توقيفه من قبل دورية تابعة للأمن الجوي ، وتم اعتقاله ، أمضى عشرة أيام منقطعا عن العالم الخارجي ، حيث نفت كل الأجهزة الأمنية وجوده لديها أو علمها بمكان وجوده ...
بتاريخ ٢٦\آب \٢٠٠٨ تم تسليمه من قبل الأمن الجوي في حلب ، إلى شعبة الأمن السياسي في دمشق ، والتي بدورها أحالته إلى قاضي التحقيق الأول بدمشق ... في ٢٧\٨\٢٠٠٨ مثل مشعل تمو أمام قاضي التحقيق الأول بدمشق و وجهت إليه النيابة العامة التهم التالية :
_ نشر أخبار كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة ..
_ إضعاف الشعور القومي ..
_ الانتساب إلى جمعية سرية بقصد تغير كيان الدولة السياسي والاقتصادي ...
_الانتماء إلى جمعية ذات طابع دولي ..
_ إيقاظ النعرات العنصرية والمذهبية ..حكم عليه بالإعدام وخفف إلى السجن المؤبد .. هكذا يكافئ حملة الفكر النير والقيم والمادئ في بلادي ...
أصدر القاضي مذكرة توقيف بحقه ، وأمر بإيداعه سجن عدرا المركزي بدمشق ..
في ١١\آيار \ ٢٠٠٩ أصدرت محكمة الجنايات الأولى بدمشق حكما عليه بالسجن لمدة ست سنوات، لكن خفضت العقوبة إلى ثلاث سنوات ونصف لمنحه الأسباب المخففة ...
في حزيران \٢٠١١ خرج من السجن تحت ضغط الثورة في محاولة لتهدئة حركات الاحتجاج التي اندلعت في أنحاء البلاد ..
عرض عليه الطاغية بشار الأسد الحوار بعد أسبوعين من خروجه وهذا في معرض عرض السلطة الحوار على مجموعة من الأحزاب الكوردية .... رفض التمو الحوار مع النظام و وقف إلى جانب المحتجين في الشارع السوري بحزم ...
ولا عجب من موقف المناضل مشعل تمو .. فمن يمتلك فكرا واسعا لا تضيقه الأقبية العفنة، ومن يمتلك الفطرة والحكمة ستثقل في السجون .. لذلك خرج المناضل من ظلام السجون وقلبه يشع فيه نور الحقيقة الذي التحم مع نور الثورة السورية التي بشرتنا بأن نظام الأسد شارف على انتهاء ..
ونرى مشعل تمو يشارك بعد الإفراج عنه في مؤتمر الإنقاذ الوطني السوري الذي عقد في استطنبول وألقى من خلاله خطابا من داخل سوريا أكد فيه على  (وحدة الشعب السوري)..
وأصبح عضوا في المجلس الوطني السوري لتمثيل المعارضة السورية في المجتمع الدولي 
مشعل تمو2الأوراق التي يلعب بها النظام تسقط الورقة تلو الأخرى .. نراه يلعب على الفتنة الداخلية وتصفية رموز المعارضة ذوي الشعارات المسقطة للنظام ...
إن الحر لايركع ولا ينسلخ عن المبادئ التي يحيا من أجلها ..

في ٨\أيلول \ ٢٠١١ تعرض التمو إلى محاولة اغتيال لكنها باءت بالفشل، وعموما هو كان يتلقى التهديدات منذ خروجه من السجن ومزاولته العمل كمعارض للنظام، لذلك كان يتوارى عن الأنظار ويتنقل بسرية تامة ...
مشعل تمو4في ٧\ تشرين أول \٢٠١١ تمكن أربعة من الشبيحة الوصول إلى مكان إقامته، قاموا باقتحام المنزل، وفتحوا الرصاص عليه ولاذوا بالفرار...وأدى هذا الهجوم الهمجي إلى إصابة ابنه مارسيل والناشطة زاهدة رشكيلو الذين كانا معه في المنزل ...
أهؤلاء من نبض و روح مثلنا .. يقتحمون البيوت ويفرغون زادهم من الرصاص ... يختالون فوق الجروح ويقهقهون على نزف الدماء ...

قتلوك يامشعل ......!!
لا والله لم تمت ... إنك ارتقيت فبت شهيد مع الشهداء تحشر ...
إنك عن ذاكرتنا لن ترحل ...
وكيف يغيب من هو نبراسا على ضوءه نرى صمود رجل وجهاد بطل هو قدوة لنا ..
أثار اغتيال مشعل تمو سخطا شديدا في الشارع الكوردي ..فخرج الآلاف من الأكراد ليلة الاغتيال احتجاجا ...وفي مدينتي قامشلي وعامودا قاموا بتحطيم تمثال خافظ الأسد .. وفي اليوم الثاني اشتعلت المناطق الكوردية جميعها وقامت في شوارعها المظاهرات تطالب بإسقاط النظام ..

كتبت ابنته هيفين عنه ....
مؤلم فراقك يا والدي الشهيد
7-10-2011
(جمعة المجلس الوطني يمثلني) استشهد مشعل ..
اليوم لا يمثلني والمجلس لايمثلني .. اما مشعل يمثلني وبقوة ..
في هذا اليوم تحن ذاكراتي لاشياء توجعني ... توجعني بلحظاتها ومكانها ,حتى بزمانها
ذلك الممر الطويل المليء بالضجيج وبالوجوه المندهشة والمليئة بالاسئلة
قتل مشعل تمو (كيف ... لماذا.. من قتله..!!!!!
بالصدفة يرن جرس الهاتف ذالك اليوم .. وبالصدفة ايضا يسأل احدهم (هل صحيح الاستاذ مشعل مصاب)
مستحيل طبعا
كنت اردد هذه الكلمة كثيرا وانا في طريقي الى المستشفى
ليس والدي اكيد ... قد تكون مجرد اشاعة . .. اتصلت كثيرا ولم يجبني احد وصلت .. تغيرت هنا مفاهيمي ومبادئي وطقوسي ,, فانا لم اعد انا ....
ذلك المكان البائس الصامت ... ايقظني صراخي وهجرني عقلي انساني التفكير .. والخجل عندما رأيت دمه على مدخل المستشفى
خانتني الكلمات عندما رايت وجوه كثيرة تبكي ..وجوه صامتة باكية ..
مازلت اسمع صوت بكائي في اذني ..كان خوفي كبيرا باتساع الارض
لم يجبني احد؟؟؟؟؟؟
تمنيت ان تكو ن كل احاسيسي السابقة خاطئة ,كانو يخفون عني أن والدي مات.... الحمدالله انه بخير
لكن اين هو ؟؟؟؟ ارعبتني النظرات وانا مازلت اسأل اريد رؤيته ...
وانا اقوى من ان يمنعوا عني رؤية من أحب
ان يبعدوني عن ذلك المخلوق المقدس ... سمح لي عمي الدخول ولكن بشرط .. ان اتمالك نفسي ؟ طبعا انا قوية وقادرة على ذلك ... هكذا اجبته..
تكسرت احلامي واختلفت موازين الحياةعندي لحظة دخولي الغرفة ..
يصعب علي تفسير هذا الموقف بالذات ,او حتى استيعابه .. في تلك اللحظة اتذكر اني نظرت الى السرير ولم اجد سوي ذلك الغطاء الابيض .. اين والدي؟؟
معك ثانية فقط ,قالها عمي وهو ممسكا يدي خوفا علي ..هل من المعقول ان يكون هذا الشخص الممدد على السرير والدي !!!
هي الماساة بعينها تطرق بابي ,قوتي وفرحي وكبريائي وكل ما املك هنا امامي !!
وجه ابيض كبياض قلبه ,حاولت فتح عينيه .. قبلت جبينه وفمه وعينيه لكنه لم يستيقظ مع كل محاولاتي ... ...ادركت ان شي ما بداخل اعماقي انكسر
هذا يعني انك لن تعود.. كيف وانت من علمتني الحرف الاول .. والحب الاول ..والبداية الاولى في حياتي
هذا هو الموت اذا!!!!!!!!
لو تعلم يا بابا كم اشتقت لهذه الكلمة ..
لو تعلم كم هو مؤلم هذا الفراق..
وحدها رائحتك تقتل حزني و وحدتي ..
ما أصعب أن تفقد من هو نور حياتك .. ما أوجع أن تفارق من أنت منه وله .. فحروفك حينها ستظهر نحيبا وألما ..

 
وصية الشهيد لإبناء الوطن 
ابصقوا فيْ وجه جلاديكم فالمستقبل لكم, نحن لا نخاف الموتْ بل نعشق الحياة لذلك عندما نهديها دمنا فنحن نبنيها ونصنعها لأولادنا وأجيالُنا القادمة
إن المناضل مشعل تمو هو شعلة متوقدة في قلوبنا ...من كلماته ومسيرة نضاله نستقي رؤية حضارية جديدة نحو التغير من أجل التحرير ...
وإن أراقوا دمه بمكرهم ... فهو مداد لنا وعلى نوره سنمضي نحو النصر المؤزر إلى سوريا الجديدة من أجل تحقيق الوحدة الوطنية ....

عاشت سوريا حرة أبية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق